رسالة من البدو للأقباط
لم يتخيل البدو أنهم سيكونون عرضة يوماً لسيل من التهم توجه اليهم بهذا الشكل من قبل اخوانهم الاقباط اثر مشهد اصبح شبه متكرر لأزمات متعددة يتعرض لها الاخوة الاقباط فى مصر , فهذه الازمات اصبحت تحدث وكأن هناك دوماً من هو على أهبة الاستعداد منتظراً وقوعها بفارغ الصبر ليبدأ شن الحملات واطلاق السهام هنا وهناك وسط اجواء مليئة بالصراخ والعويل وموحية بحدث جلل قد أصاب القوم تليها مرحلة ثانية لاستثمار الموقف بأكبر قدر ممكن ومحاولة المتاجرة به لتحقيق جزء من المطالب العلنية والخفية تحت شعارات براقة وجذابة , ولكن غالباً ما كانت الامور تنتهى كالعادة الى طريقها المسدود عبر المنظومة الامنية المعنية والمكلفة بالحفظ والاحتواء والتعامل بنظرية ابقاء الحال على ما هو عليه بأكبر قدر ممكن وذلك حتى اشعار آخر وعدم وضع حلول سريعة وحقيقية لمثل هذه الازمات , ولكن الجديد فى هذ الازمة الاخيرة التى شهدها دير أبو فانا أن الاخوة الاقباط بدوا وكأنهم قد عثروا أخيراً على ضالتهم المنشودة والطرف الضعيف فى هذه المعادلة والذى يمكن تركيز كافة الضغوط فى اتجاهه لتحقيق عدة مكاسب وارسال عدة رسائل الى كل من يعنيه الامر, ولما لا فالطرف الضعيف فى هذه المعادلة وهم البدو الذين مازالت حياتهم اقرب الى الفطرة ولا يملكون مهارة التعامل مع الادوات والاساليب الدفاعية أو الهجومية عبر وسائل الاعلام ومؤسسات المجتمع والدولة لتوضيح حقيقة الموقف ولا يرجع هذا لعجز أو قصور لديهم فى التعامل مع مثل هذه الادوات ولكن لاسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها , فعقب احداث الدير انطلق الاخوة الاقباط فى حملة شبه منظمة للتأليب والتحريض ضد كل من ينطبق عليهم وصف " البدو" أو " الاعراب "أو " العربان " وتصويرهم وكأنهم كائنات مجهولة أو غريبة أو دخيلة على هذا الوطن أو كأنهم نبت شيطانى يجب استئصاله وأنه قد آن الآوان لتأديبهم وادخالهم بيت الطاعة ذليلين صاغرين بسبب فعلتهم هذه وهو ما أثار استياءاً واسعاً فى أوساط المجتمعات البدوية المنتشرة فى معظم محافظات مصر خاصة الحدودية منها ,ومما اثار الدهشة أنه وفى نفس الوقت الذى يشكو فيه الاخوة الاقباط من كونهم اقلية مهمشة ولا يكفون عن اظهار انفسهم فى مظهر الضحية على طول الخط ان يقوموا بلعبة تبادل للادوار وان يحاولوا ان يقوموا باعادة انتاج نفس الممارسات التمييزية التى يعانون منها وتوجيهها نحو البدو , فرغم ان الجميع يعلم ان هذه الازمة ناتجة عن نزاع عادى حول قطعة ارض يحدث مثله فى كل يوم وفى كل مكان وحتى فيما بين افراد الاسرة الواحدة وينتج عنه اثار اكبر من ذلك الا ان قيادات الكنيسة تصر على تصوير هذا النزاع على انه طائفى بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانى خطيرة , ورغم أن الاقباط هم الذين حاولوا ضم اراضى تتجاوز المساحات المحددة لهم من قبل الدولة ورغم ان اهالى المنطقة من البدو هم الذين سقط منهم قتيلا بريئاً مازال دمه لم يجف بعد على ايدى الاخوة الاقباط تاركاً وراءه ثلاث بنات لا بواكى لهن أكبرهن لم تكمل عامها الرابع بعد الا ان من يرى المشهد وسط هذا الضجيج والصخب وسحب الدخان يظن للوهلة الاولى ان الاخوة الاقباط يتعرضون لاضطهاد منظم على ايدى هؤلاء البدوالذين يجرى وضعهم فى صورة الخارجين على القانون ومن ثم مطالبة الدولة بطريقة استفزازية بعدم السكوت عليهم واستخدام امكانياتها المختلفة لوضع حد لممارساتهم ولا مانع من استدعاء واستخدام مفردات من نوعية الضرب بيد من حديد وما شابه , ورغم العديد من محاولات التهدئة وضبط النفس التى بذلتها القيادات السياسية والاجتماعية للبدو فى المنطقة الا ان تهمة التواطؤ مع الامن مازالت موجهة اليهم , ونحن نوجه نداءاً للعقلاء من قيادات الاقباط بأن يتعاملوا مع مثل هذه الازمات بموضوعية وعقلانية تتطلبها مثل هذه المواقف الصعبة والا يحاولوا معالجة الازمة بخلق ازمة جديدة نحن فى غنى عنها تماماً والا يحاولوا صناعة المزيد من الاعداء لهم وان يتخلوا عن نغمة التلويح بالاستقواء بالخارج أو بالداخل والتى لا يتقبلها احد ولا نريد ان نخوض فى تفاصيل مثل هذه الاساليب التى وصلت الى حد تهديد البدو البسطاء فى منطقة الدير بقرب موعد الانتقام منهم خاصة بعد الغزو الامريكى للعراق , فلا يليق ابداً بمن ينادى بحقوق المواطنة أن يمارس مثل هذه الأساليب مع شركاء له فى هذا الوطن , فرغم ان المجتمعات البدوية فى العديد من محافظات مصر قد ينطبق عليهم وصف " أقلية " طبقاً للتعريفات الدولية لهذا المصطلح الا ان هذه الكلمة البغيضة لم تستهويهم قط ولم تجد لها مكاناً فى قاموس حياتهم مهما كان حجم ما يتعرضون له من ضيم ولا يوجد فى ثقافتهم اى عقد مرتبطة بهذه الكلمة المشبوهة , وحتى عندما تعرض البدو فى سيناء تلك البقعة الغالية من الوطن للعديد من التجاوزات غير المقبولة فى المجتمعات البدوية ورغم خروج بعض الاصوات المغرضة التى وصل بها الشطط الى محاولة التشكيك فى وطنيتهم فإن البدو فى جميع انحاء مصر ورغم شعورهم بالقلق تجاه هذه الاحداث المؤسفة الا أن علاقتهم بالوطن لم تهتز قيد أنملة , فعلاقة البدو بالوطن هى علاقة قوية ترتبط بكرامتهم و حياتهم وعقيدتهم وتستحق الكثير من التضحيات الغالية وأكبر من التوقف عند صغائر الامور , فالبدو ما زالوا من الفئات القليلة التى اعطت لهذا الوطن اكثر مما اخذت فما زالوا هم المرابطين على ثغوره والامناء على تخومه وهم بمثابة البشرة الخارجية التى تحمى الوطن وتنوب عنه فى تحمل الخطر وهم الذين يشهد لهم التاريخ بمواقفهم الحقيقة المشرفة فى اوقات الشدة والتى لا يحبون أن يتغنوا بها فى الوقت الذى يتغنى فيه الكثير ممن لم ينال منهم الوطن خيراً , ودعوتنا فى النهاية لجميع الغيورين على هذا الوطن بان يتحملوا مسئوليتهم الكاملة فى الحفاظ على سلامة بلدنا العزيز مصر والا ننساق وراء الدعاوى المغرضة والا ننزلق وراء احداث صغيرة لا تذكر بمعايير التاريخ والجغرافيا حتى لا نسهم دون قصد فى تفتيت صخرة الوطن الصلبة وتحويلها الى كومة تراب خصوصا فى هذه المرحلة الخطيرة التى يعيشها العالم من حولنا وفى ظل عودة ظهور شبح الاستعمار مرة اخرى والذى اصبح يطل علينا بمشاريعه التقسيمية العلنية عبر جميع اقطار وطننا العربى الكبير .
( يمكن متابعة المقال والتعليقات بموقع جريدة اليوم السابع بصفحة كتاب وآراء )