والله انها لردة
ما كان عليه فهم الصحابة والسلف الصالح لهما، فإذا ثبت وصح بالنقل الصحيح قضاء الله ورسوله في المرتد، يكون فتح الكلام في الموضوع من جديد خروجا عن نصوص الدين الكامل، فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين، والمسلم يتساءل ما الذي يحدث هذه الأيام لماذا نهدم كل الثوابت التي استقرت الأمة عليها من قرون،
ولمصلحة من هذه العمالة الذليلة، ولماذا نناقش حد الردة اليوم، هل نشجع المارقين عن الدين للكفر بالإسلام، أم نروج لمفاهيم الاستخراب الذي تصدره الولايات المتحدة، بدعوى رعايتهم للحريات الشخصية،
وهدفهم إزاحة المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، ويستعملون عملاء علمانيين مفتونين بالحضارة الغربية،
ينكرون ثوابت الدين تارة، ويهاجمون الإمام البخاري تارة أخرى، ولا يحركهم إلا الكراهية للإسلام كله،
ويفرضون علينا بقوة القانون ما أملته عليهم الولايات المتحدة الأمريكية،
وهم اليوم يريدون أن يسمحوا للشيعة والبهائية والقاديانية وكل الفرق الضالة أن يكون لها اعتراف،
وأن تقام لها المساجد والمعابد،
والاعتراف بفرقهم في البطاقات القومية، مع إفساح المجال لحملات التبشير النشيطة وسط المسلمين، فيجدوا حد الردة سيفا على رقابهم،
وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن أمثال هؤلاء الأدعياء الذين يُريدون الاكتفاء بالقرآن دون السنة ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني ، وهو متكئ على أريكته ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه ، وما وجدنا فيه حراما حرمناه ، وإن ما حَرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حَرَّم الله . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وفي رواية : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول : عليكم بالقرآن ! فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه . رواه الإمام أحمد .
ثم إنه لا يُمكن الاكتفاء بالقرآن عن السنة، فإن الله أمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها مما أمر الله به ، فكيف يؤدُّون هذه الفرائض ، وكيف يمتثلون الأوامر ، إلا بالأخذ بالسنة النبوية .
فهل يجدون في كتاب الله خمس صلوات ؟
وهل يجدون فيها مقادير الزكاة ؟
وهل يجدون فيها صِفَة الحج ؟
وقد جاء رجل عمران بن حصين رضي الله عنه فسأله عن شيء ، فحدّثه ، فقال الرجل : حدثوا عن كتاب الله ولا تحدثوا عن غيره ! فقال عمران : إنك امرؤ أحمق ! أتجد في كتاب الله أن صلاة الظهر أربعا لا يجهر فيها ؟ وعدد الصلوات ؟ وعدد الزكاة ، ونحوها ؟ ثم قال : أتجد هذا مُفسَّـراً في كتاب الله ؟ إن الله قد أحكم ذلك والسنة تفسر ذلك .
أي أن هذه الأشياء وغيرها تفصيلها في السنة النبوية ، أي في الأحاديث الصحيحة الثابتة . ولو عَلِم هؤلاء كم هي الجهود التي بَذَلَها علماء الأمة في خدمة السنة لما تجرءوا على مثل هذا القول !
إن أعظم جهود بُذِلَتْ هي في خدمة السنة النبوية ، عناية بالمتون والأسانيد ، وتأصيلا لعلوم السنة ، وعناية بالجرح والتعديل ، وتتبع الأخبار والتحقق من مصادرها ، ومن سماع الرواة ، ومن تقييد الوفيات ، إلى غير ذلك مما يقف المرء أمامه متعجِّبا من هذه الجهود الجبارة المباركة .
غير أن من جهِل شيئا عاداه !
ولم يظهر في الأمة دعوى ردّ الأحاديث إلا لما ظهرت الزندقة ، تحت لـبُوس مختلفة ، وأسماء متعددة .
فظهر التفريق بين أحاديث الآحاد والمتواتر من حيث القبول والعمل . ولم يكن لهذا أصل في صدر هذه الأمة . وإنما ظهر هذا لما ظهر الزيغ والضلال ، وأراد أهل الزيغ والضلال أن يعبثوا بعقائد الأمة ، فدخلوا من هذا الباب .
ومعلوم بالضرورة أنه لا يُمكن الاستغناء بالقرآن عن السنة ، ولا بالسنة عن القرآن . وكلاهما وَحْـيٌ أوحـاه الله إلى رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الله تبارك وتعالى عن نبيِّـه صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – يَكْتُب كل شيء سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فنهتني قريش ، وقالوا : أتَكْتُب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟! فأمْسَكْتُ عن الكتاب ، فَذَكَرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأومأ بأصبعه إلى فِيه ، فقال : أكتب ! فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حقّ . رواه ابن أبي شيبة وأبو داود والحاكم .
ولو تَركنا كل شيء دَخله الْخَلل لما أخذنا شيئا لا من أمْرِ ديننا ولا من أمْرِ دُنيانا !
ثم إن هؤلاء يأخذون ويَتلقّون الأخبار عن وسائل الإعلام ! وما أكثر ما يَدخلها الكذب ! فهل تَرَك هؤلاء وسائل الإعلام لدخول الكذب ؟!
فهذا القول ساقِط مُتهافِت !