وادى ماجد تاريخ وهويةعندنا تتعرض مجتمعاتنا العربية لمثل هذا الكم الهائل والغير مسبوق من الغزو الثقافى والفكرى القادم الينا عبر ما أصبح يعرف فى عالم اليوم بثورة تكنولوجيا المعلو
مات والاتصالات وفى ظل عولمة متوحشة لا تعترف بالحدود أو بالحواجز الجغرافية أو الثقافية حتى رأينا أجيالاً من شبابنا تنشأ وتتشرب من هذه المشارب الغريبة بكل ما فى هذا الامر من خطورة لا تتوقف آثارها السلبية عند حدود الجوانب الاجتماعية فقط بل تمتد حتى تكاد تمس أمننا القومى تصبح مجتمعاتنا فى أشد الحاجة للحفاظ على ثقافتها وهويتها وعاداتها وتاريخها وحمايتها من التعرض للذوبان وسط هذا الطوفان حتى نحمى ثوابتها وخصوصيتها , وفى هذا السياق يتجلى لنا مدى أهمية حفظ مقومات البقاء وابراز التاريخ المشرف وبث القيم النبيلة والمفتقدة بشدة فى عالم اليوم حتى نعظم من قيمة مثل هذه المواقف الخالدة ونعيد احياء واعلاء النماذج المشرفة التى تصلح أن تكون قدوة لأجيالنا القادمة , ومما لاشك فيه أنه لا يوجد أسمى وأنبل من المواقف الصعبة والاختبارات الحقيقية التى يضحى فيها الانسان بالروح والنفس والمال والولد من أجل الدفاع عن العقيدة والوطن والأرض والأهل ضد كل من تسول له نفسه المريضة أن يمس هذا الوطن أو أهله بسوء , وفى مثل هذه الايام من كل عام تعيش محافظة مطروح بكافة قواها ومستوياتها التنفيذية والسياسية والشعبية والاجتماعية أجواء احياء ذكرى معركة وادى ماجد والتى تعتبر معركة عظيمة بمقاييس ذلك الوقت وبموازين القوى غير المتكافئة بين قوة عالمية عظمى كانت تعرف بالامبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس وبين فئة قليلة العدد والعدة والخبرة تعيش حياة أقرب الى الفطرة ولكنها كانت تتسلح بسلاح العقيدة وقوة الايمان ومنطق الحق وشرعية الدفاع عن أرضها وعرضها ووطنها وهو حق عادل ومشروع تكفله كافة العهود والمواثيق الدولية والأخلاقية والانسانية , ومن حق أبناء مطروح أن يفتخروا بأن محافظتهم من الأماكن القليلة التى لاقى فيها الاستعمار الانجليزى مقاومة حقيقية على أرض الواقع بذلت فيها الدماء والأرواح رغم ضغف الامكانات وتواضعها , وتشهد جميع محافظات مصر مثل هذه الاحتفالات وأغلبها إن لم يكن كلها اختارت يوماً مشرفاً من تاريخها فى الجهاد والمقاومة ضد الاستعمار أياً كان شكله لجعله عيدها القومى تحيى فيه هذه الذكرى العطرة ولا تعتبر هذه الاحتفالات المحلية متناقضة أو متباينة مع الهوية الوطنية بل تعتبر جزءاً أصيلاً منها وهو مايعزز ويعضد من ارتباط هذه المجتمعات بالوطن الأم ويزيد من اندماجها فى نسيج الوطن القوى ويقوى من انتماءها وهى أمور صارت غاية فى الأهمية خاصة فى هذه المرحلة التى نعيشها اليوم , ومما يؤسف له حقاً أن نرى بعض الصفحات البيضاء من تاريخنا تتعرض لحملات تشويه ولسهام طائشة من هنا وهناك يطلقها بعض المشككين والمرجفين الذين يسؤهم كل هذا المجد الذى صنعته أمتنا العربية والاسلامية على مدار التاريخ وأمام أعين البشرية جمعاء وهى محاولات مشبوهة تهدف الى تفريغ ثقافة مجتمعنا من كل ما هو ذى قيمة حتى تصبح مجتمعاتنا جوفاء بلا روح أو مناعة داخلية أو أى خطوط دفاع لتكون فريسة سهلة ومستباحة يعبث بها الأعداء , ونحن فى هذه اللحظات لا نملك الا تقديم كل التقدير والحب والاعزاز والاكبار لتاريخ الأجداد العظام الذى تركوا لنا هذا التراث المشرف الذى نرجو أن نحافظ عليه قدر المستطاع وأن نواصل المسيرة على دربه حتى نكون قد أدينا ولو جزءاً يسيراً من واجبنا نحوهم والذين سنظل مدينين لهم بالكثير ويكفى أنهم وفى زمن عزت فيه التضحية أنهم ضحوا بأغلى ما يملكون من أجل أن نعيش فيما نحن فيه اليوم من حرية وكرامة ومن أجل صيانة وطهارة هذه البقعة الغالية من مصرنا العزيزة والتى يشهد التاريخ والجغرافيا أنها من أنقى بقاع الوطن والتى لم تنجح جميع المحاولات الاستعمارية لزرع أى كيان دخيل أو غريب على أرضها .
بقلم / أيمن شويقى
عضو مجلس شعبى محلى مركز مطروح
( نقلاً عن جريدة صوت مطروح عدد سبتمبر 2008 )